قبل نحو الشهرين لم يَصدُر عن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أي رد فعل مباشر على ما نشرته إحدى الصحف عن لسانه بأنه أبلغ من يعنيهم الأمر بأن لدى حزبه القدرة على إستنفار خمسة عشر ألف مقاتل لمواجهة حزب الله، وأن الكلام قيل بحضرة رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط الذي نفى لاحقاً حرفية الكلام، لتبقى المعلومة اللافتة، معلقة بين التأكيد والتشكيك. في حين مال العديد من المتابعين إلى العبارة الأولى باعتبار انها ليست أول مناسبة تتسرب فيها مثل هذه المعطيات إثر غير زيارة خارج لبنان لجعجع.
بات ثابتاً، أنه لم يكن المطلوب من جعجع النفي أو التأكيد لما بات متداولاً. إذ إن ما قاله مطلع الأسبوع الفائت أحد القواتيين الأقحاح في منطقة البقاع إبراهيم الصقر كان كافياً للتأكيد والإصرار على أن حزب القوات لم ينس الأيام السود التي مرّ بها لبنان، وهو على إستعداد لخوض تجربة جديدة على ما يبدو، إذا ما رأى أن ذلك مناسباً. فالصقر نفسه تحدّث في لقاء إلكتروني متلفز مع الإعلامي رواد ضاهر عن خمسين ألف مقاتل تحت جنح القوات. ومؤكداً كلام زعيمه بان الخمسة عشر ألف مقاتل يُمكن تأمينهم بسهولة من مدينة زحلة وبلدة دير الأحمر البقاعيتين، لأنه لا لزوم للخمسين ألفاً في المرحلة الراهنة.
وحتى يكتمل نْقل القوات بزعرور منتسبيها في بلاد الإغتراب. أعلنت “الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم”من المكسيك ورسميّاً: “أن لبنان بات بلداً مُحتلّاً”. داعية الى تشكيل تحالف إغترابي لبدء تحريره بـ “معركة سلميّة حضارية عبر تضامن اللبنانيين والضغط على دول القرار لإنهاء الاحتلال!”.
فاذا كان حزب القوات جاداً في هذا التوجه، المتزامن مع تهويلات غربية بإتجاه بعض دول الإقليم، فهل سها عن باله ما آلت إليه أعداد المسيحيين ولاسيما منهم الموارنة في لبنان، نتيجة الصراعات والحروب التي عصفت به منذ ستة عقود، والتي كان فيها حزب القوات أحد أبرز أربابها؟
وهل في حسابات حزب القوات كم مرة تخلى ذلك الغرب عن اللبنانيين ولاسيما المسيحيين منهم بعد توريطهم في هذا المشروع السياسي أو ذاك المشروع التقسيمي؟
وهل تدخل في لوائح حزب القوات أعداد الشهداء والجرحى الذين فقدوا في متاهات تلك الصراعات والحروب وكان الحزب في صلب مختلف المعادلات؟
وهل في ذاكرة القوات، ما خططه الخارج من عرب وغرب ناهيك عن إسرائيل، لهذا اللبنان الذي كان درّة الشرق فبات في أول سلالم الفساد والانهيارات المتعددة الأوجه؟
اذا كانت الذاكرة بحاجة لتنشيط فيجب اللجوء إلى ذلك سريعاً. أما إذا كان الأمر يتطلب قراءة تاريخ هذا الوطن فهناك مؤرخون أنقياء جاهزون لتقديم كل ما يلزم لتصويب البوصلة. الا إذا كانت النوايا سيئة، فإزاءها لا شيء ينفع، وهناك بالتأكيد من سيدفع الإثمان الباهظة هذه المرة. ولن ينفع أي عفو أو إعتذار!.