———————
كنت أنتظر استراحة الحظر بفارغ الصبر لكن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن ومنذ اليوم الأول بدأت العوارض وجع حاد في الصدر وفي الأكتاف وسعال جعلني أظن بأنه من رواسب تدخين النرجيلة أو ربما بوادر نزلة برد عابرة
لكن الألم اشتد تدريجيا وأصبح لا يطاق ورافقته الأوجاع التي تفشت في خلايا جسدي وراحت تنخر في مفاصله كما ينخر السوس في الخشب..
وفي اليوم الثاني ضاق تنفسي حتى كدت أختنق ورأيت شريط حياتي يمر مسرعا أمامي كلمح البصر
لم أبكي وجعي …أبدًا فالوجع الجسدي خارج مقياس أوجاعي ..بكيت لمجرد تفكيري بما سيخلفه استسلامي من ألم على من أحب !!
خفت على أمي التي حمل صوتها ضيق أنفاس الكون كلما هاتفتني
خفت على ابنتي التي ودعتها منذ شهور وهي تحيا على أمل اللقاء القريب
و على ابني الذي حرمت حضني من دفء غمرته كي ينعم بسلام الغربة الذي نفتقده في وطن لم يعد يشبه الأوطان..
بكيت أوجاع الفقراء الذين أصابهم الوباء
وتمنيت لا بل رجوت ربي أن لا أكون سببا في نقل هذا الداء لأحد ..
انه داء العصر ..شيطان الوحدة .. يوسوس لأرواحنا بأنانية الحب وأهله وبعقم القرب في لحظات الوداع
صعدت السماء سلالم سوداء مع ارتفاع حرارة أفكاري وقفزت من سحابة وهم عشته وارتطمت بحقائق انقشعت غباشتها ..
كان انكساري يغذي شراسة المرض لكن الذكريات الجميلة ورسائل الأحبة والأصدقاء جعلته ضيفا قبيحا تمردت روحي على تواجده فاستجمعت قواها الخائرة في خلوتها واستلت خنجر إرادتها وراحت تطعن في عزيمته تحاصره وتخنقه وتصرخ في وجه تعاسته كي يغادرها ..
تمرد فعصيان وثورة على الأحزان
أردت ميتة عادلة ..أردت أن أكفن وأن يصلى علي وأن أسمع رثاء الأحبة وأن يكون الوداع قبلات ولمسات وعناق ..لا أريده موتا مجحفا
إن كنت سأرحل فالحياة تدين لي بالكثير وهذه شروطي …
ويحه كيف لمسني !!
ومن أخبره بأنني سأزف إليه!!
لا لن يغمد خبثه في صدري
لم آو إلى فراشي طيلة اسبوع كي لا يتسرب غدره إلى وسادتي ومنها إلى جبال أحلامي فأعجز عن تعقب خساسة خطاه ..
أراني أحلك الألوان
فتزينت بأبهاها لأغيظه
تطهرت من نجاسته
وحفرت له قبرا تحت أقدام جنوني وانتفضت…
-هدى غازي-