في خضم الأزمات التي يعيشها اللبنانيون، ولا يدركون كيف سيخرجون من لججها، فوجئوا بأصوات تتحدث عن السعي للتمديد لعهد الرئيس العماد ميشال عون (بالأمس نُفل عنه أنه لا يفكر بذلك). منها يوصَّف بأنه من عتاة المسيحيين المتطرفين، ومنها على ألسنة مقربين من العهد لا بل من “عظام رقبته”. الأمر الذي دفع بالعديد من المتابعين إلى التساؤل عن الجهات الفعلية التي تقف وراء هذا التوجه، وبخاصة أنه ما يزال هناك سنة وعشرة أشهر من عمر العهد، وهو ينتظر تشكيل حكومة ليستطيع تحقيق ما وعد به من إصلاحات وتغيير منذ كان منفياً على الأرض الفرنسية. فما هي المعطيات الطارئة التي تستوجب طرح هذا الموضوع الذي يتحسّس منه اللبنانيون أصلاً؟
الاوساط السياسية تنوعت قراءتها لهذا التوجه وخلفيات طرحه في هذه الفترة الحرجة من تاريخ الوطن والتي هي مؤهلة جداً لكي تزداد حراجة وتعقيداً؟
البعض يرى أنه إذا فكّر الرئيس عون جدياً في هذا التوجه، فلكي يسعى لتحقيق طموحاته بشأن لبنان الذي يتمناه، بعدما نجحت قوى داخلية وخارجية في تقويض عهد أراده قوياً فتحوّل إلى مشكلة متشعبة الأذرع، أضف إلى ذلك تمنيات المستشارين والبطانة المستفيدة من وجوده على رأس السلطة!
آخرون يعتقدون ان هكذا طروحات مفصلية لم تأت من عبث، وبالصدفة، وإنما تتكئ إلى دعم استراتيجي من القوى التي ساهمت في إيصال العماد عون إلى قصر بعبدا وفي طليعتها حزب الله الذي لن يلعب لعبة “الغميضة”، مشبهين الوضع القائم بما حصل عشية التمديد لرئيس الجمهورية الأسبق العماد إميل لحود.بالرغم من أن أوساط “الثنائي الشيعي” قد أوحت بأنها غير معنية بطروحات من المبكر الحديث عنها!
أوساط معارضة “تتفائل” بأن هكذا توجه سيدفع العهد إلى التورط بمزيد من الأزمات ويجعله مشابهاً لإواخر عهد الرئيس كميل شمعون الذي طُرحت قبل نهايته فكرة التمديد فتعقدت الأمور وذهبت إلى ثورة إنتهت بانتخابات رئاسية جديدة!
وبين هذا الطرح أو ذاك، هناك من يحلم بأن يكون طرح التمديد هو بمثابة بالون إختبار لمواجهة القوى التي تسعى لتأليف حكومة تُمسك “برقبة العهد” وتجعله أسيرها بما تبقى من عمره. لترسم معالم المرحلة التي تلي، وفق أجندة متداخلة داخلياً وخارجياً، وغير بعيدة عن ما يتم وضعه من خطط اقتصادية وتنموية مرتبطة بالاقليم ومشاكله وتشعباته!
ولذلك تضيف تلك التوقعات، بأن طرح التمديد باكراً سيكون بمثابة السد المنيع بوجه مطالبي الرئيس عون بالاستقالة وفي طليعتهم حزب القوات اللبنانية الذي يُصنّف ثانياً في ترتيب الأحزاب المسيحية استناداً إلى كتلته النيابية التي حققها في آخر انتخابات نيابية عام 2018، ويسعى لتعزيزها إذا ما تحقق حلمه بإجراء انتخابات مبكرة يحرّض عليها!
إلى ذلك يمكن ان يكون هذا الطرح بمثابة إسفنجة تمتص سعي بعض الجهات إلى إبقاء موقع رئاسة الجمهورية شاغراً بعد إنتهاء ولاية الرئيس عون، لحين إعادة النظر في بُنية النظام القائم، والتوصل إلى صيغة متجددة تُنصف بعض الأطراف التي تعتبر نفسها مغبونة في اتفاق الطائف وما تلاه في الدوحة.
وإزاء كل هذه الطروحات والتوقعات يبدو وفق العديد من المتابعين إن أي تمديد قد يحصل، ما هو الاّ تمديد للأزمة الاخطبوطية التي تشد على رقاب الوطن!