لا يختلف لبنانيان على أن الصرح البطريركي الماروني شكّل منذ إعلان دولة لبنان الكبير، أحد الأعمدة الأساسية في تركيز دعائم هذا الوطن الذي بُني على التوافق بين أبنائه، قبل أية ديمقراطية أو ديكتاتورية أو إنقلاب عسكري، فلذلك وما يوازيه، فإن أي طرح بنيوي او وطني لا يحصد إجماعاً، يكون بمثابة بالون إختبار يسقط بُعيد إطلاقه بقليل، ويتحول عبئاً على من إعتمده منصة لترويج أفكار يمكن أن تتحول إلى مشكلة بدل أن تكون حلاً لأمر مستعصٍ.
فبعد فكرة الحياد التي دعا البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي إلى الاجماع عليها، والتي شطرت المجتمع اللبناني عامودياً، فاجأ غبطته اللبنانيين الأحد الفائت بعظة تضمنت إقتراحاً بوجوب “طرح القضية اللبنانية في مؤتمر دولي خاص، برعاية الأمم المتحدة”، بهدف “توفير ضمانات دائمة للوجود اللبناني تمنع التعدي عليه، والمسّ بشرعيته، وتضعُ حداً لتعددية السلاح”.(والمقصود هنا بالتأكيد سلاح المقاومة كما هدفت فكرة الحياد عن قضايا المنطقة).
اللبنانيون جميعاً قد يوافقون الصرح (الذي أعطي له مجد لبنان) على أن المسؤولين والسياسيين قد أوصلوا البلاد إلى هاوية غير مسبوقة نتيجة آداءهم الملتبس في الشؤون المالية والاجتماعية والمعيشية ولكن شريحة كبيرة تود أن تلفت نظر المرجعية الدينية المارونية الى التالي:
ـ أن القوى الدولية ولاسيما الغربية منها تقدم مصلحة الدولة اليهودية على ما عداها في هذا الشرق الأوسط الملتهب باستمرار منذ إعلانها في العام 1948، وبالتالي فان أي معالجة للأوضاع في الدولة التي ترفع شعار الأرز من قبل تلك القوى (تحت شعار الأمم المتحدة أو أي تحالف مستجد)، ستأخذ في أولى اهتماماتها مصالح اسرائيل واستراتيجياتها.
ـ أن التصويب على سلاح المقاومة يصبح مجدياً وفي إطاره الموضوعي والصحيح، عندما يُتاح للجيش اللبناني أن يصبح لديه الحد الأدنى من مقومات الدفاع عن أرضه بوجه اسرائيل التي تملك ثلاثة الآف طائرة حديثة إلى جانب ترسانتها النووية فيما قوانا المسلحة ليس بين أيديها سوى عدة طائرات مروحية محدودة التسليح.
ـ أنه بدل الدعوة إلى تدويل الوضع اللبناني أن تأخذ المرجعيات الروحية المبادرة الى إقتراح مخارج مقبولة تكون منبثقة من التوافق لإعادة النظر في النظام اللبناني الذي ثَبُت عقمه، بدل التفتيش عن اقتراحات تزيد من التأجيج الحاصل، ليس قبل اتفاقي الطائف والدوحة وحسب، وانما منذ الدستور والميثاق الوطني اللذين واكبا الحصول على الاستقلال. وبذلك تتم صيانة “الشراكة الوطنية والعيش المشترك المسيحي – الإسلامي في ظل نظام ديمقراطي مدني”، كما تدعون في غير مناسبة أو بيان مشترك.
فاذا غفلت بكركي عن تلك الأمور فتلك مصيبة، ويصبح من المسلّم به أن “هناك هوة عظيمة بين الشعب وبين من يدير أموره”، كما لفت المثل الإنجيلي الذي عنون به عظته غبطة البطريرك. وإذا سعى أصحاب السلطة إلى “مصالحهم وحساباتهم وحصصهم” فذلك أمر بديهي لأن القطعان في وادي والرعيان في وادٍ آخر! في حين أن “لبنان يمرُّ بأزمة داخليّة وخطر فقدان هويّته”، كما لفت بالامس قداسة البابا فرنسيس!.