أجمع المراقبون على أن البطريرك الماروني بشارة الراعي أحسن التصويب الأحد الفائت حين توجه للمسؤولين في عظته قائلا: “تتصرفون وكأنكم في حقل الفوضى، فالشعب لا يشكو من قلة الصلاحيات بل من قلة المسؤولية”.
المعنيون بتشكيل الحكومة غارقون في التنازع على الصلاحيات والمسؤوليات، بينما المواطنون على علبة دواء في صيدلية، وشيء يؤكل في محلات التغذية، وحفنة محروقات في محطة وقود… وباتت، بعد خسارة معظم مدخراتهم، آخر همومهم ما يفعله من يسمون أنفسهم مسؤولين، لأنهم بآدائهم باتوا خارج النص والمعاني!
معظم المواطنين لم يعد يعنيهم أين تبدأ أو أين تنتهي صلاحيات رئيس الجمهورية، لأن ما أصابهم في الشؤون المالية والمعيشية والصحية قد فاق كل التصورات المنطقية لأبسط ضرورات الحياة!
ومعظم المواطنين لم تعد تعنيهم بشيء كل القوانين التي يقرها مجلس النواب والسلطات التشريعية أو مشاريع القوانين المطروحة، طالما أن كل تلك العناوين لم تخفف عنهم شدّ الحبال على أعناقهم من جوانب عدة!
معظم المواطنين لم تعد تعنيهم بشيء مواقف وتصرفات رئيس الحكومة (تصريف الأعمال والمكلف) طالما أنه رئيس السلطة التنفيذية ولم يتخذ أي خطوة جريئة تخفف من فرملة الإنحدار نحو القاع السحيق!
رئيس الجمهورية الراحل سليمان فرنجيه كان يردد باستمرار في ندواته الأسبوعية عبارة: “إذا إتفق اللبنانيون على الشر يصبح خيراً”. والأولى بكم وبكل من هو معني بالوصول إلى حلول للأزمات القائمة، أن تتواصلوا وتجتمعوا للتفتيش عن مخارج إيجابية تنقذ اللبنانيين مما هم فيه، وما ينتظرهم من عثرات الأيام المقبلة. وإلاّ فإن أي يقظة لضمير الشعب لن تغفر لكم، والتاريخ لن يرحم أحداً منكم!
منذ ستة عقود لم تغب عن ذاكرتي لحظة، كيف كان والدي يُسرع إلى طمر “بندقيتيّ الجفت والدّك” في جلٍ قريب من المنزل في الضيعة، كلما تناهى إليه أن دورية من الدرك (عنصران) ستزور القرية لـ “حدثٍ جلل” خوفاً من أن تتّسع صلاحياتها للقيام بجولة تفتيشية على المنازل بحثاً عن ممنوعات. فرجاء يا أصحاب الالقاب الرفيعة تنازلوا قليلاً عن صلاحياتكم، وإتفقوا على أي تدبير يعيد إلى الدولة هيبتها ومقوماتها، حتى يعود لبنان كما حلم به أبناؤه منارة في هذا الشرق!..