في طريق العودة.. قد لا تجدون وطناً!… مرسال الترس
قد تكون مراكز الأمن العام في لبنان من أكثر الدوائر التي أدخلت أموالاً إلى خزينة الدولة في العامين المنصرمين، نظراً لأعداد المواطنين الذين تقاطروا إليها من أجل الحصول على جواز سفر طويل الأمد، لأنه في خُلد الجميع يتربع هاجس الهجرة، للبحث عن بارقة أمل، بعد الأزمات التي إنهالت على رؤوسهم. بعكس السنوات التي سبقت والتي كان السفر بهدف ″شم الهوا″ و ″الشوبينغ″! في وقت يتبادل فيه المسؤولون والسياسيون الإتهامات بالمسؤولية عن الكارثة التي حلّت في مختلف المجالات المالية والصحية والمعيشية والحبل على الجرار…! بينما الوقائع تشير إلى أن المسؤولية متشابكة ومتداخلة ولن يستطيع احد التنصل منها..
السلطة المكونة من جميع الأحزاب والشخصيات التي تعاقبت على السلطة، منذ بدأت إستدانة الأموال قاعدة محورية منذ ثلاثة عقود، حتى بات الوطن أسير الرهن للخارج، والداخل المرتبط به، من أجل تنفيذ أجندات هدفها تغيير ديموغرافي ملموس!
والأحزاب والزعامات التي ركزّت على مدى استفادتها من الوطن، بدل العمل على بنائه وفق أسس وطنية مستدامة، فيما إنشغل الزعماء المسيحيون وأحزابهم بالمناحرة للوصول إلى كرسي رئاسة الجمهورية إلى حد الإلغاء التام، غافلين أو متغافلين عما يجري على الأرض!
أما المواطنين الناخبين فحدّث ولا حرج في إرتباطاتهم الطائفية والمذهبية والعائلية الأمر الذي أعماهم عن تكوين سلطة قادرة على الحكم واخرى مستعدة للمحاسبة!
ولذلك عندما توالت الصراعات والحروب التي أنتجت هجرات متعددة عمدت بعض الأحزاب المسيحية إلى ذرّ الرماد في عيون محازبيها ومناصريها عبر التركيز على مقولة ان التعداد المسيحي في لبنان سيتخطى الأربعين بالمئة في مستقبل وهمي، من دون أن يحددوا متى وكيف، وعما إذا كان بخططهم استجلاب مغتربين الى لبنان! في حين كانت بعض المناطق المسيحية ضمن بيئات مسلمة أوسع تشهد تسربّات ملموسة. ولعل منطقتي الزاهرية والقبة في مدينة طرابلس أكبر مثال على ذلك، مع أنهما كانتا محوريتين في تاريخ المدينة.
وفي هذا السياق يقول استاذ الديموغرافيا في الجامعة اللبنانية الدكتور شوقي عاطف عطية ومن المتخصصين القلائل في “علم السكان ومسائل الهجرة” أنه إذا هاجر أربعة مسيحيين وأربعة مسلمين فالغلبة ستكون للمسلمين الذين لديهم نسب نمو متقدمة بأشواط.
ويشير في كتابه “ديموغرافيا المشرق” إلى أن اللبنانيين يقولبون المصطلحات على ما يرونه مناسباً لهم، فيتحول معهم لبنان الى كون قائم بذاته، حيث يضمّون إلى أنفسهم أعداد كل من تحدّر من أصل لبناني”.
وفي حين أن الوقائع تكذب التمنيات، فيلفت عطية إلى مضمون دراسة عن الواقع الديموغرافي في لبنان أعدّها “المركز اللبناني للمعلومات” ونُشرت في العام 2018 حاملة توقيع أساتذة جامعيين في إحدى أهم الجامعات على الأرض اللبنانية، فادّعت “أن المسيحيين في لبنان سيتخطون عتبة الـ 40% من مجموع السكان”.
وبينما النسبة الحالية لا تتعدى الثمانية والعشرين بالمئة بأفضل الظروف يشير عطية إلى أن “بعض الأحزاب المسيحية (القوات والكتائب والتيار الوطني الحر) إحتفلت بما يوضح الديموغرافيا المسيّسة والمطيّفة بأبهى صورها”. وبذلك “يتحوّل اللبناني إلى فكرة عوضاً عن أن يكون واقعاً، ويصبح رقماً يستخدمه من هم في موقع القرار للدفاع عن سبب استمراريتهم، ولذلك تؤدي منهجية تنفيذ أي دراسة إلى نتائج غير صحيحة”.( مثلاً أن يتم إعتماد لوائح الشطب على أنها مُنزلة، أو يُقال أن 60% من الطلاب الجامعيين في لبنان من المسيحيين، أو لا يتم إحتساب الدروز من الطوائف الاسلامية، أو أن يُقال أن أعداد الفلسطينيين في لبنان هو 174 الفاً فقط، متجاهلين الذين يقطنون خارج المخيمات).
وفي تقرير لمجلة “الايكونومست” البريطانية جاء: “أن المسيحيين لم تتراجع نسبتهم عن المسلمين وحسب، بل أن معدلات أعمارهم أعلى منهم، مما يشير إلى المزيد من التراجع في المستقبل”!
ولأن هناك تشوّيش في الحقائق الديموغرافية، يجب الحفاظ على أهل لبنان وثنيهم عن مغادرته، بدل التلهي في الصراع على جنس ملائكة اللاجئين او النازحين أو حتى الذين يتم تجنيسهم عشوائياً واستنسابياً.
قد يجد الذين يحملون أمتعتهم على ظهورهم، وجوازات سفرهم بأيديهم متعة في أنهم استطاعوا الهروب من جهنم اللبنانية، إلى هذا البلد الأوروبي أو ذاك البلد الأميركي. ولكن الخوف هو أن يقرروا يوماً العودة بعد عقد أو إثنين او ثلاثة فلا يجدون الوطن الذي ضم تراب آبائهم وأجدادهم ومن يحبون، أو في الصيغة التي يحلمون بها!