يسود اعتقاد أن عمر حكومة الرئيس نواف سلام قد بدأ بالتآكل، بعد نيلها الثقة بنحو خمسة أشهر لا غير، مع أن إسم رئيسها الآتي من كنف أعلى محكمة دولية، وأسماء وزرائها “المجبولين” بالاختصاصات و”الشفافية”، كانا يتيحان لها أن تبقى إلى ما بعد الانتخابات النيابة المقررة أن تجري في ربيع العام المقبل. ولكن حيثيات السياسة المعقدة والمتداخلة، قد بدأت التصويب عليها من زوايا عدة أبرزها:
- قد تكون بريئة في الظاهر دعوة الرئيس نبيه بري المجلس النيابي لمناقشة “سياسة الحكومة” وفق مواد النظام الداخلي، ولكن يبدو أن الأمور ليست على ما يرام بين السلطتين التشريعية والتنفيذية نتيجة تنافر ظاهر في موضوعي ملف سلاح المقاومة والتعيينات، وقد ظهرت ملامحه في أكثر من منعطف، على الرغم من التصريحات العلنية التي حاولت امتصاص تشنجات مقولة “إذا عباله يسخّن.. منسخّن” التي تفوه بها سيد عين التينة رداً كلام صدر عن الرئيس نواف سلام.
- سقوط الحكومة بين “شاقوفي” التباينات الظاهرة في علاقة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الذي لم يتوان عن توجيه رسائل مبطنة بسحب وزرائه من الحكومة الأولى للعهد، وتوجيه الاتهام للرئيس عون بأنه يخاف من “حرب أهلية” إذا أقدم على إجراءات فاعلة في سحب السلاح لصالح الدولة اللبنانية… من دون إغفال توجيه بعض الرسائل المشفرة بين سلام وجعجع بحجة أن الأول لا يُقدم على اتخاذ ما يكفي من القرارات الملموسة في مصادرة الأسلحة، أو على الأقل الضغط في مجلس الوزراء من أجل وضع روزنامة فاعلة على مشرحة التنفيذ، بغض النظر عن العواقب… وصولاً إلى قول أحد وزراء “القوات” جو عيسى الخوري على هامش آخر جلسة لمجلس الوزراء في قصر بعبدا “ثبت اليوم أن هناك وزراء درجة أولى ووزراء درجة ثانية في الحكومة.. وللبحث صلة”.
وربما كان بطء حركة الحكومة في كثير من المفاصل، وعدم اندفاعها في حسم الأمور على أكثر من منصة، والتردّد الظاهر في شخصية رئيسها، ودخوله في متاهات الزواريب الضيقة للسياسات المحلية في أكثر من منطقة، قد عجلت في دفع الأمور لدى أكثر من طرف بوجوب التفتيش عن شخصية إما تكون صدامية على غرار الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة، أو ربما أكثر مثل النائب اللواء أشرف ريفي، أو شخصية قادرة على أدارة البلاد بقرارات حازمة على غرار الرئيسين الرمزين رياض الصلح أو رشيد كرامي.. وهو ما تفتقده السياسة اللبنانية منذ عقود طويلة!