عندما تأسست ميليشيا ″القوات اللبنانية″ في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي كان في مخطط بشير، النجل الأصغر للرئيس المؤسس لحزب الكتائب اللبنانية النائب والوزير الشيخ بيار الجميّل، أن تكون ″القوات″ التنظيم الذي يجمع مختلف القوى المسيحية في تلك المرحلة، ولذلك وضع الخطط لإخضاع من يخالفه ولو بالقوة. فكانت بصماته واضحة في مجزرة إهدن ضد قيادة ″لواء المرده″، وقيادة ″نمور الأحرار″ في بلدة الصفرا – كسروان، ناهيك عن القوى الأقل تأثيراً التي أبدت طاعتها صاغرة لطموحات الـ ″ب. ج″ الذي حقّق حلمه بانتخابه رئيساً للجمهورية في العام 1982، ولكنه لم يهنأ بذاك الإنتخاب إلآّ أياماً معدودة، إثر التفجير الذي إستهدفه في بيت الحزب وسط منطقة الأشرفية.
بعد بشير شهدت ″القوات″ العديد من الصراعات على القيادة على قاعدة ″الثورة تأكل أبنائها″ إلى أن إستقرت في حضن إبن بشري الشاب سمير جعجع الذي تدرّج ضمن صفوف الكتائب وكوّن لنفسه حيثية ″من أبناء منطقته″ استطاع من خلالها فرض نفسه على التنظيم الثورجي، وما لبث أن حوّله إلى حزب، ليكون رقماً صعباً في المعادلة السياسية في لبنان، متقدماً على أقرانه، وحتى على الحزب الذي إنبثق منه.
وعلى قاعدة ″من ليس معك فهو ضدك″ عمل جعجع على تحجيم كل من رأى في ″القوات″ حليفاً يمكن أن يُستند إليه، حتى قوى الرابع عشر من آذار(وهم بالعشرات في الجانب المسيحي) التي ″شدّت ظهرها″ بهذا التنظيم الناشط على الأرض، فراحت ″ترغي وتزبد″ منذ تأسيسها في الربع الأول من العام 2005 بأنها هي التي حققت المعجزات على الساحة اللبنانية، ومنها على سبيل المثال إنسحاب الجيش السوري من لبنان، لتجد نفسها بعد فترة، مجبرة على الخروج من شباك تلك التوليفة لأن “القوات اللبنانية” حسمت الأمر لصالحها. فإما أن تكون الكلمة الفصل لها، وإما هي ستتفرج على الباقين ليكونوا “أحجار شطرنج ثانوية” يتحكم بها “ملك المستقبل”. لكّن النائب السابق فارس سعيد بقي متمسكاً بالعربة، خالعاً ثيابه قطعة بعد أخرى ليبقى مسؤولاً عن منسقية جوفاء يُطلق من خلالها المواقف المصوبة دائماً وأبداً على “حزب الله” كهدف محوري ضروري وملزم مهما كانت طبيعة الموقف.
فارس ذاك خلع آخر قطعة من ردائه الممزق عندما قال علانية عبر حديث تلفزيوني الأسبوع الفائت: “علاقتي مع القوات لم تعد كما كانت في السابق”.(متجاهلاً وربما عن قصد أن ذلك من مسؤولية حزب الله) وهو يُدرك تماماً أن الأمر أبعد من ذلك بكثير، وربما سيكون غداً مرتبطاً ببطاقة سفر باتجاه واحد، كما حصل مع وجوه مسيحية لم تتأقلم مع أفكار القوات في أوقات حرجة من عمر الجمهورية!.